الجيل الخامس: ما الحكاية؟

30/07/2019 تكنولوجيا | فريق هيئة تنظيم الاتصالات

 7201     2


حمد عبيد المنصوري

مدير عام الهيئة العامة لتنظيم قطاع الاتصالات



 

بعيداً عن كل ما يقال في سياق الجدال العالمي المتعلق بالجيل الخامس؛ الحقيقة التي لا مراء فيها هي أن هذه التقنية باتت تطرق أبوابنا بقوة. والحقيقة أيضاً أن الجيل الخامس ليس مجرد تقنية فقط، وهو ليس تدشيناً لمرحلة عادية من مراحل التطور التي خبرناها ابتداء من الجيل الأول وصولاً إلى الرابع، كما أنه ليس مجرد صيحة أو هبّة سرعان ما تخبو بعد صعود.

 

إن الجيل الخامس هو عنوان لفصل جديد من مسيرة التطور الإنساني، وهو محطة مفصلية في تاريخ البشرية وسعيها نحو الأهداف الكبرى كالمدينة الذكية، وإنترنت الأشياء، والبيانات الضخمة (النفط الرقمي الجديد)، والذكاء الاصطناعي، وما يستتبع ذلك من تطبيقات في مجالات كالطب والمواصلات والبنية التحتية والتعليم إلخ.

 

وإذا كانت الثورة بالتعريف اللغوي هي التغيير النوعي الذي يحدث كنتيجة لسلسلة من التغيرات الكمية، فبالإمكان القول إن الجيل الخامس هو أقرب إلى الثورة منه إلى التطور.

 

وتتضمن تلك السلسلة أربعة أجيال كان أولها في الثمانينيات عندما احتفل العالم بأول هاتف لاسلكي ينقل الصوت فقط. وعندما بات بالإمكان نقل النصوص المكتوبة بين جهازين لاسلكيين أصبحنا نتحدث عن الجيل الثاني. أما الجيل الثالث، فقد امتاز بإمكانية إجراء المكالمات الصوتية، والمراسلات النصية جنباً إلى جنب مع تصفح الإنترنت من خلال أجهزة محمولة وصفت حينها بأنها "ذكية"، ثم أتى بعد ذلك الجيل الرابع، والأكثر ذكاء، الذي أضاف إمكانية تنزيل وتحميل أفلام الفيديو بسهولة من خلال أجهزة الهاتف المحمول.

 

بيد أن للجيل الخامس، حكاية مختلفة. وبعدما أطلق كلاوس شواب المؤسس والرئيس التنفيذي للمنتدى الاقتصادي العالمي مصطلح الثورة الصناعية الرابعة في عام 2016، كثر الحديث عن مفاهيم مثل الطباعة ثلاثية الأبعاد، والمركبات ذاتية الحركة، والحوسبة الكمومية، وتكنولوجيا النانو والعمليات الروبوتية الكثيفة، وهي بعض من الملامح المتعارف عليها للمدينة الذكية.

 

وسرعان ما تحولت تلك المفاهيم إلى خطط عمل وخرائط طرق ومشاريع مستقبلية للعديد من الدول، أي أنها باتت التزامات مستقبلية. لكن هل من الممكن تطبيق تلك المشاريع على أرض الواقع، وبالفاعلية المتوقعة، من دون الجيل الخامس؟ هل يمكن تخيّل المدينة الذكية من دون شبكة اتصال فائقة السرعة ومن دون التدفق الآني للبيانات الضخمة عبر آلاف، بل ملايين الأجهزة؟

 

إن الحضور الكثيف، والمتواصل، لاصطلاح الـ (5G)، في حياتنا اليومية هو انعكاس لحقيقة مفادها أن ما كان يُطبخ على نار هادئة، أصبح الآن يغلي على مرجل فائق الحرارة، مبشراً بدخولنا الفعلي والقريب لعصر الثورة الصناعية الرابعة. فالتقديرات تشير إلى أن العام المقبل 2020 سيكون نقطة تحول في الرحلة العالمية نحو العصر الجديد، حيث سيبلغ عدد الأجهزة المرتبطة بالإنترنت 20.8 مليار جهاز.

 

ونحن في دولة الإمارات، وفي ضوء هذه المعطيات، من البديهي أن نسارع لوضع الاستراتيجيات والخطط الفعلية استعداداً للجيل الخامس استشرافاً، وتحليلاً، وتخطيطاً. ولا أكشف سرّاً إن قلت إننا في الهيئة العامة لتنظيم قطاع الاتصالات نعكف حالياً على صياغة واعتماد أول استراتيجية وطنية للجيل الخامس، تمهيداً للانتقال من الحكومة الذكية إلى الحياة الذكية الكاملة التي تتواصل فيها الآلات والأجهزة والأماكن في كل الاتجاهات لخدمة الإنسان.

 

إنه عهدنا ووعدنا بالريادة وصناعة المستقبل الذي نراه لوطننا ولمجتمعنا ولأجيالنا، المستقبل الذي يقوم على مفاهيم المعرفة والعلوم المتقدمة والتكنولوجيا والاستدامة والابتكار والتفكير الاستباقي.

 

إن هذه المفاهيم تمثل بالنسبة لنا قيماً حضارية أكثر مما هي توجهات آنية مرتبطة بتطور معين، أو بجيل من أجيال الاتصالات، ولو عدنا بالذاكرة مثلاً إلى ما قبل توالي "الأجيال"، أي قبل الجيل الأول من الاتصالات اللاسلكية، وتحديداً في مطلع الثمانينيات، سنجد أنه بينما كان تركيب هاتف منزلي يستغرق من عام إلى عامين في بعض دول المنطقة، فقد كان الحصول على خط ثابت في دولة الإمارات الفتية آنذاك لا يستغرق سوى ساعات قليلة، وذلك يتضمن مجيء الفنيين إلى المنزل وقيامهم بتركيب الكابلات داخل البيت.

 

بهذه الروح نفسها، ندخل اليوم عصر الجيل الخامس، فاتحين أعيننا وعقولنا وأذرعنا للفرص الهائلة التي سيتمخض عنها هذا العصر، من دون أن نتغافل عن التحديات والمخاطر، وهي كثيرة ومتعددة بلا شك. وفي المقدمة منها مخاطر الأمن ومحاذير الأمان. غير أن الاستعداد للمخاطر شيء، والاستسلام للذعر السابق لأوانه كنتيجة لأخطار غير مؤكدة شيء آخر. 

 

من البديهي أن لكل حقبة جديدة مخاوفها وغموضها، وعندما ترتفع أصوات هنا وهناك، محذرة من أخطار صحية، وأخرى اجتماعية، أو أمنية أو ما شابه، فهذا ليس بالجديد في مسيرة التطور التكنولوجي. لكن تلك المخاوف والتحذيرات بحاجة إلى اختبارات حقيقية للتأكد من وجاهتها. وإذا كنا ندعو إلى عدم أخذ تلك المزاعم كمسلمات، فهذا لا يعني أننا ندعو لتجاهلها بالمطلق.

 

كل ما في الأمر أن موضوعاً بهذه الأهمية والوزن الاستراتيجي لا يمكن التعامل معه بخفة واستسهال، معتمدين على فيديو هنا، أو مقال هناك، متناسين أن في العالم بيوت خبرة ومؤسسات علمية دولية متخصصة تمثل مراجع لها أهميتها في مثل هذه الأمور.

عوداً على بدء، إن الجيل الخامس قضية عالمية بامتياز. ومن المؤكد أن الجدل الدائر اليوم بين جهات دولية حول آفاق هذه التقنية لا يمكن أن تكون نهايته إلا اتفاقاً عالمياً شاملاً يقوم على استفادة البشرية جمعاء، ليفتح فصلاً جديداً في مسيرة التاريخ الإنساني. وإلى أن يحدث ذلك الاتفاق العالمي الشامل، سيظل المرجل على غليانه. وسوف يتعين علينا أن نبقى يقظين إزاء من ينشرون الأخبار غير المؤكدة، والشائعات التي تلبس ثوب الحقائق العلمية.

ملاحظة: ردودكم على هذا المقال، وتعليقاتكم حول الجيل الخامس مرحب بها

 

 

 


تعليقاتكم

2 Comments

Anonymous علق في 31/07/2019

الكل يتحدث عن الجيل الخامس، ونحن حتى الآن مش فاهمين شو اللي جاري.. كيف سنستفيد من الجيل الخامس، وهل سيكون أرخص من الرابع؟


Anonymous علق في 31/07/2019

What am I going to get from 5G? As a citizen I need more information: will it be cheaper than 4G? Will it be faster...


(success)
Start chat button