رحلتي في تصحيح المعتقدات الخاطئة حول مفهوم التسامح في الدول التي عملت فيها

15/09/2019 عام | سعادة محمد مير الرئيسي

 5013     0

بحكم عملي كسفير لدولة الإمارات العربية المتحدة في عدد من المحطات. مما ساهم في تعايشي وانفتاحي على عدد من الثقافات المختلفة وانخراطي معهم، وجدتُ نفسي مستغرباً من مفهوم التسامح في هذه الدول، فهناك من يدعي التسامح وينظر لنا كمسلمين متشددين مع الفكر الجهادي، وأن المرأة المسلمة ليس لديها حقوق ومضطهدة، وذلك بسبب حجابها وحشمتها، ولا يعلم بأن الشريعة الإسلامية كرمت المرأة تكريماً عظيماً ورفعت من شأنها، حيث أن الإسلام أول من أرسى حقوق المرأة المادية والمعنوية، ولا يعلم أن الإسلام هو دين التسامح والعدل والاحترام وليس دين التطرف.


ومن هنا بدأت رحلتي في تغير هذا المفهوم الخاطئ.. في البداية كنت ألجأ إلى الحوار مع الطرف الآخر لتغيير معتقداته حول الإسلام، ومحاولة تغيير الفهم الخاطئ حول القيم الإسلامية، إلا أن الحوار كان دائماً ما يُقابل بالإنكار، حتى بدأت في إبراز مفاهيم قيم التسامح ونهج دولة الإمارات في التسامح والتعايش السلمي. وذلك عن طريق المشاركة في المناسبات الدينية، ووسعت جدول أعمالي ليشمل رجال الدين، واضطلعت على أمور الكنائس وتنظيم مبادرات للسفارة تبرز قيم التسامح. ومن هنا بدأ التغير الفكري للطرف الآخر و الإنفتاح وتقبل المناقشات والتحاور معي في هذه المواضيع، فقد استطعت أن أغير المفهوم الخاطئ عند الطرف الآخر بنسبة كبيرة، حتى أصبح أكثر انفتاحاً لمفهوم التسامح في الدين الإسلامي، وأصبح يخوض في حوارات أعمق لكشف الغطاء عن الاعتقادات الخاطئة حول التسامح في مجتمعنا، على عكس ردة الفعل التي كنت أتلقاها في البداية. والجدير بالذكر إبداء إستغراب الطرف الآخر عن زيارة سفير مسلم للكنيسة وتقديم المساعدات للكنائس، ومدى إنفتاحنا في تقبل الديانات الأخرى وإحترامها. وإبداء إعجابهم عن سياسة ونهج الإمارات في التسامح من ناحية وجود أكثر عن 7 كنائس لمختلف الطوائف الدينية، و معبد هندوسي، ومعبد للسيخ، ودار للعبادة اليهودية.


ولكن وللأسف، وجدت خلط الأمور بين تنظيم داعش والدين الإسلامي، فالإسلام ليس داعش. وعلى هذا الأساس، بدأت بإبراز دور دولة الإمارات في التسامح والتعايش السلمي ومحاربة التطرف والرسالة التي  تنشرها الدولة في جميع أنحاء العالم، ومضمونها أن مسيرة التسامح ليست حديثة المولد، وإنما نشأت مع نشأة دولة الإمارات العربية المتحدة، ودأبت الدولة على محاربة التطرف والفكر المتشدد بكافة أشكاله، حيث انضمت دولة الإمارات العربية المتحدة للتحالف الدولي في 2014، ولعبت دوراً محورياً في محاربة تنظيم داعش. كما أسست دولة الإمارات أول مركز لمحاربة التطرف في عام 2015، بالتعاون مع الولايات المتحدة، وهو مركز صواب، الذي يعمل على تسخير وسائل الاتصال والإعلام الاجتماعي على شبكة الإنترنت لمكافحة الأيديولوجيات المتطرفة و تصويب الأفكار الخاطئة، ووضعها في منظورها الصحيح.


أما عن وضع المرأة المسلمة، فمن المهم أن يتم تغيير التصور الغربي حول الصورة النمطية للمرأة المسلمة المضطهدة والخاضعة والضعيفة، حيث أن أغلب المجتمعات الغربية تنظر إلى المرأة المسلمة على أنها خاضعة، ومفروض عليها الحجاب، وممنوعة من السفر، ومن الذهاب إلى المدرسة أو الاستمتاع بالعديد من "الحريات" التي تتمتع بها المرأة في الغرب. إلا أن الواقع يختلف تماماً في الوطن العربي عامةً وفي الإمارات خاصة، فالمرأة الإماراتية شريكة في مسيرة التنمية ومربية لأجيال المستقبل، حيث تمثل المرأة الإماراتية 22٪ من أعضاء المجلس الوطني الاتحادي ووصلت إلى رئاسته كأول دولة على مستوى الوطن العربي. كما تتضمن الحكومة الاتحادية 9 وزيرات بنسبة 27% من مجموع الوزراء، من بينهم أصغر وزيرة في العالم. ونحن نؤمن بالدور الهام للمرأة في بناء وحفظ السلام، وأن وجود مزيد من النساء في مراكز قيادية، وفي مراكز صناعة القرار، لا يمكن أن يؤدي إلا إلى حماية وبناء المجتمعات المحلية.


وأخيراً فإن مفهوم التسامح عند بعض الدول هو أداة للترويج عن صورة البلاد، أما في دولة الإمارات، فهو نهج غرسه ورسخه المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان “طيب الله ثراه” والآباء المؤسسون، قائم على الالتزام بالأخلاق الأصيلة وعادات شعب دولة الإمارات الطيبة، وسارت عليه القيادة الرشيدة للدولة برئاسة صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان رئيس الدولة.


سعادة محمد مير الرئيسي 

سفير دولة الامارات لدى الجمهورية اليونانية

وزارة الخارجية والتعاون الدولي


تعليقاتكم

لا يوجد تعليقات حالياً.


(success)
Start chat button