تلعب التعاونيات دوراً مؤثراً في حركة التجارة عالمياً، وتستحوذ على نسبةٍ كبيرة من أنشطة تجارة التجزئة والسلع، وتشكل رافداً حيوياً للاقتصاد والناتج المحلي الإجمالي للدول. كما تمثل التعاونيات ركيزةً أساسية في الحفاظ على استقرار الأسواق وحركة العرض والطلب، وضمان توافُر المنتجات والسلع، لا سيما المواد الأساسية والسلع الغذائية، خلال الأزمات.
وتعكس المؤشرات والإحصاءات الاقتصادية تنامي دور التعاونيات، حيث يبلغ عدد المستفيدين من خدماتها أكثر من 3 مليارات شخص، ويساهم القطاع التعاوني بحوالي 280 مليون فرصة عمل على مستوى العالم. وتستأثر 300 تعاونية حول العالم بأنشطة يبلغ حجمها 2 ترليون دولار، وتشكل المساهم الأول في أنشطة قطاعاتٍ أخرى في العديد من الدول. على سبيل المثال، تمثل التعاونيات 90% من حجم تجارة التجزئة في سويسرا، و70% من حجم تجارة التجزئة الغذائية في الكويت. وتبلغ حصة التعاونيات 21% من سوق الرعاية الصحية في إسبانيا.
وفي دولة الإمارات العربية المتحدة، يضطلع القطاع التعاوني بدورٍ مهم في تنوع وتنافسية الاقتصاد الوطني وتحقيق أهداف التنمية الاقتصادية والاجتماعية المستدامة للدولة. ويأتي قرار مجلس الوزراء رقم 2 لسنة 2022 للسماح بإدراج وتداول أسهم التعاونيات في منصات خاصة بالدولة ليعزز من دور القطاع التعاوني في تنمية الاقتصاد وازدهار ورفاهية المجتمع والمساهمة بشكل أكبر في نمو الناتج الوطني المحلي غير النفطي.
محرك رئيس للنمو
يعتبر القطاع التعاوني أحد المحركات الاقتصادية الرئيسية في دولة الإمارات، حيث يعمل وفق مفاهيم تجارية تقوم على ثقافة الادخار والاستثمار الاجتماعي. ومن شأن دفع عجلة نمو هذا القطاع أن يعزز من مساهمته في نمو الأسواق وسلاسل التوريد وتطبيق سياسات المخزون الاستراتيجي ونشاط بيئة الأعمال عموماً في الدولة.
ويبلغ حجم نشاط القطاع التعاوني بالدولة 7.9 مليار درهم، في حين يصل إجمالي رأس مال التعاونيات إلى 3.1 مليار درهم، وتستأثر التعاونيات بما نسبتهُ 4% من حجم تجارة التجزئة محلياً. وتنتشر التعاونيات على امتداد الدولة من خلال قُرابة 200 منفذ بيع، ويعمل ضمن القطاع حوالي 13 ألف موظف على المستوى المحلي. ويتواجد العدد الأكبر من الجمعيات التعاونية محلياً في أبوظبي، حيث تحتضن الإمارة ما يزيد عن 45% من الجمعيات التعاونية العاملة في الدولة.
وستستفيد التعاونيات من خلال تداول أسهمها، من الخدمات المتقدمة التي تقدمها الأسواق المالية في الدولة من حيث الشفافية والمرونة وسرعة الإجراءات، مما يحقق بالتالي فوائد واسعة للمساهمين من حيث حفظ الحقوق وتمكين الممارسات السليمة في عمليات التداول وضمان سهولتها وموثوقيتها.
نموذج أعمال مبتكر
تمتاز التعاونيات بمرونتها وقدرتها على مواكبة الاتجاهات الاقتصادية الجديدة، والتطورات التقنية المتسارعة التي يشهدها العالم اليوم. وتمثل (Savvy Cooperative) نموذجاً للتعاونيات التي نجحت في توظيف الابتكار وتطبيقات التحول الرقمي لإعادة تصميم منهجية تقديم خدمات الرعاية الصحية، والارتقاء بجودتها وكفاءتها. وتعد (Savvy Cooperative) جمعية تعاونية مُبتكرة مملوكة من قبل المرضى، تعمل على الربط بين المرضى ومقدمي خدمات الرعاية الصحية. وتشكل (Harvard/ MIT Cooperative Society) مثالاً للتعاونيات الأكاديمية، حيث تجمع بين أعضاء المُجتمع الأكاديمي لاثنتين من أبرز وأعرق المؤسسات التعليمية عالمياً، وتتيح لهم الانتساب لعضويتها والحصول على مجموعة من الميزات والحسومات. وتمثل هذه الجمعية أداةً مبتكرة في دعم ميزانية كل من (Harvard) و(MIT) وضمان استمرارية المؤسستين. وتمكنت التعاونيات من ترسيخ حضورها ضمن قطاعات البرمجة وتطوير التطبيقات والألعاب، كما هو حال مؤسسة (Motion Twin) التعاونية الفرنسية التي نجحت بإطلاق ألعاب إلكترونية حققت ملايين المبيعات عبر مُختلف المنصات وأنظمة التشغيل.
وتملك التعاونيات المُبتكرة آفاقاً كبيرة للنمو محلياً، حيث تعد الإمارات حاضنةً للابتكار، وإحدى الدول السباقة عالمياً في تسخير الابتكارات الذكية للارتقاء بكفاءة وانتاجية منظومات العمل وتعزيز رفاهية المُجتمع، مدعومةً ببنية تحتية رقمية متطورة، وشبكات اتصالات متقدمة، وتشريعات مرنة ومتكاملة.
تطوير القطاع التعاوني
يصب قرار تداول أسهم التعاونيات في منصات خاصة بأسواق المال في الدولة في صالح تطوير القطاع وتنظيمه ليحقق الريادة والتنافسية على المستوى العالمي. كما ستعزز هذه الخطوة من ثقة المساهمين وتطوير العملية التنظيمية والرقابية لتداول الأسهم، وتخلق فرصاً جديدة للتحسين والتطوير القائم فيما يخص التداول بالأسهم التعاونية في الأسواق المالية وبما يحقق مصالح التعاونيات والمساهمين على حد سواء. وسيعزز القرار أيضاً من أداء التعاونيات وتوفير ممكنات جديدة للحفاظ على حقوق المساهمين وتطوير آليات تداول السهم أو التنازل عنه ونقل ملكيته بسهولة وشفافية ودون التعرض لأي استغلال، والحد من التداولات الوهمية عبر الوسطاء من خلال إتاحة التداول بصورة مباشرة بين المساهمين أنفسهم.
قرار رائد على مستوى المنطقة
تعد دولة الإمارات في مقدمة دول المنطقة التي تسمح بقيد أسهم التعاونيات وتداولها في منصات خاصة ضمن الأسواق المالية. ويشكل ذلك خطوة متقدمة وغير مسبوقة على المستويين المحلي والإقليمي فيما يتعلق بتنظيم إجراءات القطاع التعاوني بما يتيح تفعيل وتعميق دور التعاونيات في رفد القطاعات الاقتصادية بالدولة ودعم المساهمين فيها. ويمثل قرار السماح بقيد وتداول أسهم التعاونيات في أسواق المال بالدولة خطوة استباقية في إطار القانون الاتحادي المتكامل الذي تعمل وزارة الاقتصاد وشركاؤها على تطويره في ما يخص تنظيم القطاع التعاوني بالدولة وفق إطار جديد ومرن ينسجم مع مبادئ الخمسين وتطلعات القيادة الرشيدة للمستقبل.
ويذكر أن قرار تداول أسهم التعاونيات سيوفر أداة فعالة لتحفيز نمو القطاع التعاوني في الدولة ومنحه مساحة أكبر للعمل والتوسع وتنويع الأنشطة والقطاعات الاقتصادية التي يعمل بها. كما أنه سيوفر الحماية الكاملة لحقوق المساهمين وضمان أفضل الممارسات التجارية لدى التعاونيات، والحفاظ على مفهوم العمل التعاوني كنموذج مواز لمفهوم الأنشطة التجارية التقليدية وفي الوقت نفسه رافد حيوي للنمو الاقتصادي وتطور المجتمع.