في ساعة متأخرة بعد منتصف الليل قرابة 12:50 يوم الأحد الموافق 06 فبراير 2022، تلقى العالم بأسره صعقة نفسية شديدة وكأنه فقد عقله ليضحك بجنون فرحة خروج الطفل ريان وجنون تلقي خبر وفاته في نفس اللحظة، شعورين مختلفين في آن واحد بعد أن قضى الطفل البريء 4 ليال و5 أيام في وحشة وظلمة حفرة شاهقة أسموها ببئر في شفشاون أحد مدن شمال المغرب الشقيق والتي تلقب بالمدينة الزرقاء.
لا يهم من حفر تلك الحفرة الشاهقة المهم ما هو الهدف من حفر تلك الحفرة أو ذلك البئر بهذا المقال حاولت ان أجمع قواي التي أُنتِهكَت خلال فترة ترقبي لخروج الطفل ريان من البئر دون توقف عن المشاهدة إلا لدقائق تغفل عيني فيها من التعب ثم أستفيق لأراقب الحدث حالي حال كثير من الأجساد والعقول والعيون التي قضت معي ساهرة من أجل معجزة انقاذ روح وجسد طفل بريء.
إن الهدف من حفر تلك الحفرة كان الابتكار يا سادة، نعم الابتكار حيث فكر صاحب الحفرة أن يبتكر طريقة لينعش حياة الزرع والماشية ويستفيد هو ومن يعيش في تلك المنطقة الجبلية التي تبعد مئات الأمتار عن الخدمات التي يستحقها كل فرد في المجتمع. وكان حافز اسعاد الناس وعائلته بهذا البئر هو الذي دفعه لحفرها الى أن تجاوز 60 مترا ليشبع رغبته ولكن للأسف كانت النتيجة صفرا على الشمال بل النتيجة أفقدتنا روحا بريئة وكم من روح زهقت وكم من طفل وشاب سقط في بئر السعادة، قد تستغرب أني أطلقت عليه ايضا بئر السعادة نعم كان الهدف السعادة غلاف رنان لوحش يقطن بداخله وهو الفقد والموت والخسارة، هكذا هي بعض الابتكارات رنانه وصيد سمين لبعض وسائل الاعلام و بعض الشركات والجهات في القطاع الحكومي والخاص على حد السواء.
دعونا نذكر بعض آبار ريان: بئر الماء الجوفي المفتوح، بئر الدرجات النارية والسكوترات، بئر البرك والأحواض في البيوت والفلل والمزارع، بئر السيارات بدون رخصة قيادة أو أن يترك فيها طفل وينسى، بئر الشبابيك المفتوحة .. ألخ ، أليست كلها أبار لاسعاد من نحب؟!
أحبتي وأخوتي أغلب أركان ثقافة الابتكار قد تكون مستوفاه مثل الشغف، الحافز، الاشباع، الا أن النتيجة قد لا تسر، ونفسر ذلك ببساطة وتواضع، قبل أن نفقد ريان هل وضعت دراسة جدوى لحفر البئر؟ هل درست المخاطر ووضعت أفعال تصحيحية لأغلاق الخطر المحتمل؟ هل الهدف واضح كي أحفر أكثر من 60 مترا دون أن أصل إلى الماء؟ هل الاتجاه صحيح ؟ هل التشريع يسمح لي أن ابتكر شيئا مثل هذا في بلدي أو بيتي أو مؤسستي؟ هل قمت بمقارنات مع آبار قريبة وتوصلت الى نتائج؟ ، لقد حفرنا لأيام حتى نصل إلى حل ينقذ المجهول استنزفنا الجهد والوقت والموارد البشرية اشعلنا الانوار لعدة ايام دون توقف فتحنا اجهزة الهواتف الذكية والكومبيوترات وأجهزة المحمول، سخرنا الجرافات وانتقل عشرات الناس الى مكان الحدث في البرد القارص كم من بترولٍ او ديزلٍ او غازٍ وكهرباءٍ احتجنا، وقف المختصون والمكلفون وأهالي البلدة والزوّار على ارجلهم أيام وكأن أجسادهم نست أنها لها حق الراحة، استنزفنا ملايين الدمعات كل هذا لينقذوا غالي غاب فجأة في ظلمة البئر وخرج ميت، هل غفلوا عن الاستعانة بصديق أو جار يقدم لهم أفضل الحلول لأخراج طفل بريء قبل أن تزهق روحه؟ ليخرج بعدها وفي نفس اليوم عدة مقاطع فيديو لابتكار في اليابان والصين والسعودية لانتشال اي جسد يسقط في بئر، لا نعلم هل غاب عنّا أن نقدم أفضل الحلول للجارة والشقيقة العزيزة المغرب ولا نكتفي بالمشاهدة والدموع؟ أم القائد المكلف بالمهمة خجل أن يطلب المساعدة الدولية حتى لا يكلّف على الدول الأخرى ويشغلها بمصيبة داخلية أو يظهر بمظهر ضعف أمام الجميع واكتفى أن يسخّر كل الجهود التي لديهم شاكرين ومقدرين تلك الجهود وجعل الله أعمالهم في ميزان حسانتهم، ولكن هل هناك حرج أن تطلب مساعدة الآخرين طالما يمتلكون الحلول السريعة والمبتكرة لانقاذ الموقف والخروج بأقل الخسائر؟ بدلا من ينتهي الأمر بدمار جبل وحزن لا ينفع فقد رحل الغالي.
في آخر اسطر هذه المدونة نصيحة من قلب محب للجميع لا تحفر بئر ريان وتفقد عزيز وغالي، ابحث عن الخطر حاول اغلاقه بشتى الطرق استعن بصديق أو شريك، استخدم أدوات تخطيط وابتكار واستشراف ومقارنات عديدة حتى تصل إلى الطريق والأسلوب السليم، أحفر بالاتجاه الصحيح الذي يعطيك ماءً ينعش الجميع لا حسرة وخسائر، وتذكر دائما أنّ الناس للناس ونحن في دولة الامارات العربية المتحدة نقدم العون والعلم للجميع وهذا حال الدول العظيمة.
بقلم هدى الشحي
مدير مكتب الاستراتيجية المستقبل _ صندوق الزكاة
