اختارت القيادة الحكيمة لدولة الإمارات عنوان "الاستعداد للخمسين" ليكون شعار العمل والتوجه الاستراتيجي الرئيسي لعام 2020، وهو ما يعني توجيه القيادة الجهات والمؤسسات الحكومية الاتحادية والمحلية والخاصة كافة إلى الاستعداد والتخطيط لرسم صورة دولة الإمارات في مئويتها التي توافق عام 2071.
الفكرة في حد ذاتها تعكس تميزاً فريداً في فكر القيادة يتعلق بالتخطيط الاستراتيجي، فالتخطيط لمدى 50 عاماً هو فكر جديد على أذهاننا بلا شك، في ظل اعتماد معظم الدول على الخطط الخمسية والعشرية التي تمتد من 5 إلى 10 سنوات في معظم الأحوال.
وتستهدف القيادة الحكيمة من وراء هذا التوجه الفكري طويل المدى إلى إطلاق العنان لخيال وأفكار المواطنين وقدراتهم الإبداعية لبناء مستقبل الإمارات، وزرع الأمل في نفوسهم في غد أفضل وأكثر سعادة على المدى الطويل، فضلاً عن التأكيد على التلاحم المستمر بين القيادة والشعب ومشاركة أبناء الوطن الفاعلة في عملية البناء والتطوير ومسيرة التنمية المستدامة.
وقد أكد صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة، رئيس مجلس الوزراء، حاكم دبي "رعاه الله" هذه المعاني في كلمته بهذه المناسبة عندما قال «في عام الخمسين سنكون يداً واحدة لبناء إماراتنا، عام الاستعداد للخمسين يقتضي تضافر كل الجهود المجتمعية لدفع عجلة التنمية واستدامتها، وتحقيق طموحاتنا وتطلعاتنا إلى مستقبل أفضل لإماراتنا».
منذ قيام دولة الاتحاد في عام 1971 وخلال الخمسين عاماً الماضية، حققت دولة الإمارات، اقتصادياً وأمنياً وتجارياً واجتماعياً، ما لم تحققه دول المنطقة أو حتى العديد من الدول المتقدمة التي يمتد تاريخها لآلاف السنين، فقد أصبحت دولة الإمارات في المراكز الأولى عالمياً كنموذج للتنمية وبناء الإنسان والرفاه والتسامح والعطاء، وما يميز تجربة الإمارات الحضارية هي أنها تمزج مزجاً فريداً بين الماضي والحاضر والمستقبل.
إن إدراك ما تم من إنجازات على مدى 50 عاماً مضت، يمكن أن يكون بوصلة دقيقة لتحديد ملامح منهجية الإمارات في التنمية، وكذلك التنبؤ بما يمكن لدولة الإمارات تحقيقه خلال الخمسين عاماً المقبلة.
ولعل أحد أهم التوجهات الأساسية للإمارات في المستقبل، هو تهيئة الأجيال المواطنة لمرحلة ما بعد النفط، وهذا ما شدد عليه صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان ولي عهد أبوظبي، نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة قائلاً «في الخمسين عاماً المقبلة.. نهيئ كل قطاعات الدولة لمرحلة ما بعد النفط، ونبني اقتصاداً معرفياً حقيقياً أساسه الابتكار والإبداع والعلوم الحديثة»، ولا شك أن تحقيق ذلك في إطار الاستعداد للخمسين عاماً المقبلة يتطلب الكثير من الجهود وتبني الأفكار الإبداعية، فضلاً عن اتخاذ العلوم والتقنيات الحديثة مسلكاً علمياً وعملياً في الحياة والعمل معاً.
وحتى ننجح في اختبار "عام الاستعداد للخمسين"، علينا أن نتخيل معاً صورة الدول وحدودها وآليات عمل المؤسسات والحكومات فيها خلال الخمسين عاماً المقبلة، وكذلك ملامح المنظومة الأمنية والتجارية والاستهلاكية والمجتمعية والإنسانية التي تحكمها في ظل التطور التكنولوجي المذهل، ومخرجات الثورة الصناعية الرابعة وما بعدها، وتبعات ما يعرف بالذكاء الاصطناعي والبلوك تشين وغيرها.
على مستوى قطاع الجمارك في الدولة، توجد حاجة ماسة للإدراك والرصد والتنبؤ بالتحولات والتغييرات التي يمكن أن تحدث خلال خمسين عاماً في عدد من المحاور المهمة ذات التأثير على العمل الجمركي، ولعل أبرز تلك التحولات ما يتعلق بشكل الحدود بين الدول، وقدرات وعناصر السلطات المعنية بها، وآليات ومحاور وأدوات المنظومة الأمنية، وسياسات ومعايير التجارة العالمية ومكونات سلسلة الإمداد والتوريد، وملامح الثورة التكنولوجية وأبعادها وتأثيراتها وكيفية الاستفادة منها في الارتقاء بمستوى الأداء الجمركي وغيرها من المحاور التي لا يتسع المقام لذكرها.
عام 2020 هو عام الاستعداد للخمسين، وعلى قطاع الجمارك في الدولة أن يحدد توجهاته وأدواته وأن يطلق العنان للطاقات الإبداعية لدى موظفيه والمتعاونين معه، حتى يتمكن في نهاية العام من رسم خطة متكاملة لما يمكن أن يكون عليه قطاع الجمارك في دولة الإمارات بعد 50 عاماً.
ثقتنا بلا حدود في قدرة قيادتنا الحكيمة على تحقيق المعجزات، وكذلك لدينا ثقة كبيرة في قدرة أبناء الإمارات والمنتسبين إلى قطاع الجمارك في الدولة على تحقيق المطلوب والعبور بقطاع الجمارك إلى عصر جديد هو عصر ما بعد النفط.