تعتبر دولة الإمارات العربية المتحدة من أكثر دول العالم سعياً لتعزِيز الحقوق المدنية والاجتماعية والإنسانية وسط كافة مكونات نسيجها الاجتماعي من مواطنين ومقيمين.
ولم يكن بلوغ دولة الإمارات العربية المتحدة المراتب العليا وسط دول العالم في المحافظة على حقوق الإنسان محض صدفة، ولكن جاء نتيجةً لعزم وجهود قيادتها الرشيدة في تعزيز حقوق المواطنين والمقيمين الإنسانية من خلال وضع التشريعات والقوانين المنوطة بكفالة جميع الحقوق، وإنشاء المؤسسات القضائية والتنفيذية والاجتماعية المساندة لنشر ثقافة حقوق الإنسان والمحافظة عليها في الدولة، وتحرص دولة الإمارات العربية المتحدة، على حماية الاسرة من العنف بكافة انواعه حيث اطلقت الدولة ضمن رؤيتها لعام 2021 مجموعة من المحاور المرتبطة بالمجتمع والاسرة حيث تضمن العنصر الأول في رؤية الامارات 2021 (متحدون في المسؤولية ) عنصر الاسرة المتماسكة المزدهرة وعنصر الصلات الاجتماعية القوية والحيوية، وادرجت ضمن اجندتها الوطنية مؤشري أداء على المستوى الوطني لقياس ومتابعة التلاحم المجتمعي والتلاحم الاسري، كما ضمنت الدولة الاستراتيجية الوطنية لجودة الحياة 2031 ضمن الاطار الوطني لجودة الحياة محور المجتمع المترابط والذي يتضمن عنصري اسر متماسكة ومستقرة ومجتمع متلاحم، كما عملت الدولة على سن القوانين واعتماد الإجراءات التي تضمن حماية الاسرة من العنف بشتى انواعه، وذلك لاعتبارات أساسية تقوم على بناء مجتمع آمن وأسرة متماسكة، تعكس مستوى الرقي والتحضر العاليين اللذين تتمتع بهما الدولة، مجتمعاً وأفراداً، لجعلها تتصدر مصاف الدول في الشؤون والمجالات كافة، من خلال توفير أسس الحياة الكريمة والمستقرة للأجيال، بما يعود بالنفع على المجتمع ونسيجه، ويجعله فاعلاً في مسيرة الدولة في البناء والتطور والتنمية الشاملة والمستدامة، فشرعت الدول 16 قانونا اتحاديا تخص الاسرة بجميع افرادها والمجتمع بجميع فئاته بالإضافة الى اللوائح والقرارات والسياسات والاتفاقيات والمواثيق الدولية التي صادقت عليها الدولة في ذلك الشأن ، فالعنف الاسري هو أحد أنواع العنف وأهمها وأخطرها، وقد حظي هذا النوع من العنف بالاهتمام والدراسة كون الأسرة هي ركيزة المجتمع، وأهم بنية فيه، والعنف الأسري هو نمط من أنماط السلوك العدواني والذي يظهر فيه القوي سلطته وقوته على الضعيف لتسخيره في تحقيق أهدافه وأغراضه الخاصة مستخدماً بذلك كل وسائل العنف، سواء كان جسدياً أو لفظياً أو معنوياً، وليس بالضرورة أن يكون الممارس للعنف هو أحد الأبوين، وإنما الأقوى في الأسرة، ولا نستغرب أن يكون الممارَس ضده العنف هو أحد الوالدين إذا وصل لمرحلة العجز وكبر السن.
وقد نص المشرع الاماراتي في المادة 3 المرسوم بقانون اتحادي رقم 10 لسنة 2019 في شأن الحماية من العنف الاسري على ان العنف الاسري هو " كل فعل او قول او اساءة او ايذاء او تهديد يرتكبه احد افراد الاسرة ضد فرد اخر متجاوزا ما له من ولاية او وصاية او اعالة او سلطة او مسؤولية، وينتج عنه ضرر جسدي او نفسي او جنسي او اقتصادي ".
ويعد المرسوم بقانون في شأن الحماية من العنف الأسري سابقة نوعية في دولة الإمارات، كونه يعمل على تطبيق معايير الحماية، من خلال تخويل النيابة العامة نفسها أو تخويل الضحية لها، لإصدار أمر حماية يُلزم المعتدي بعدم التعرض للضحية، وعدم الاقتراب من الأماكن المقررة لحمايتها وعدم الإضرار بممتلكاتها الشخصية، وإجراءات عدّة تضمن توفير الحماية الفاعلة للضحايا أو الأشخاص المحتمل تعرضهم للعنف، كما يسعى القانون إلى وضع حلول جذرية لمشكلة العنف وإبعاد الضحية عن مصدر التهديد، وتوفير حماية فاعلة لها، وذلك باعتباره مكملاً للعديد من التشريعات الوطنية التي تضمن توفير الحماية لضحايا الاعتداءات الأسرية، فهناك مثلاً قانون الأحوال الشخصية الاتحادي الذي يهدف إلى حماية الأسرة وكيانها ويحافظ على روابطها، إضافة إلى قانون حقوق الطفل (وديمة) الذي جاء اعتماده بهدف حماية الطفل من اي اعتداء عليه، لتصبح هذه المنظومة التشريعية، وبما نصّت عليه من عقوبات رادعة، إحدى أهم ضمانات حماية أي فرد من أفراد الأسرة من العنف، وتبعده عن مصادر الخطر والتهديد، والحد من شتى أنواع الإهمال والعنف، للحفاظ على الأسرة باعتبارها النواة الأساسية في بناء المجتمع والدولة.