«الدبلوماسية الرياضية».. نهج رائد لدولة الإمارات لترسيخ حضورها على الساحة الرياضية العالمية وأداة فعّالة لتعزيز العلاقات الدولية

26/06/2024 عام | سعادة غانم بن مبارك الهاجري - مدير عام الهيئة العامة للرياضة

 183     0

تعد «الدبلوماسية الرياضية» من أبرز الأدوات في تعزيز العلاقات الدولية وبناء جسور التفاهم والتعاون بين مختلف الشعوب، وقد أثبتت فعاليتها في السياسة الخارجية للدول المتقدمة رياضيًا، حيث تعتمد على الأنشطة الرياضية كوسيلة لتحقيق أهداف بعيدة المدى سياسية واقتصادية واجتماعية، وجذب الاستثمارات والسياحة. وفي دولة الإمارات العربية المتحدة، تعتبر الرياضة أحد العناصر الأساسية لدفع مسيرة التنمية بالدولة وذلك من خلال إبراز الدور الريادي في تنظيم الفعاليات الرياضية الكبرى والتي تساهم في تعزيز مكانة الدولة وسمعتها الطيبة عالمياً بما يتماشى مع رؤى وتطلعات قيادتنا الرشيدة.

تلعب الرياضة دورًا محوريًا في تعزيز العلاقات بين الدول والشعوب من خلال خلق منصات للتفاعل والتواصل، حيث تجمع الفعاليات الرياضية الكبرى -مثل دورات الألعاب الأولمبية وبطولات كأس العالم لكرة القدم- الناس من مختلف الثقافات والخلفيات الحضارية، لتعزيز التفاهم والتبادل الثقافي، كما توفر هذه الأحداث الرياضية العالمية فرصًا للقاءات الدبلوماسية غير الرسمية بين القادة والمسؤولين، مما يعمل على بناء علاقات قوية ومتينة ويعزز الصداقة بين الدول.

وتستخدم الرياضة أيضًا كوسيلة لدفع أطر السلام وترسيخ التفاهم بين الشعوب، حيث تخلق بيئة من الاحترام المتبادل والتنافس الشريف، فيمكن للمبادرات الرياضية أن تلعب دورًا حيوياً في تخطي التحديات وتوحيد لغة الحوار بين الثقافات المختلفة. كما تساهم مشاركة اللاعبين في الفعاليات الرياضية المختلفة في تعزيز الشعور بالفخر والانتماء الوطني، حيث تجمع المواطنين حول هدف مشترك وترسخ في وجدانهم روح الفريق والوحدة.

ومن هذا المنطلق، تعمل دولة الإمارات على تعزيز مفهوم الدبلوماسية الرياضية لديها من خلال استضافة المزيد من الفعاليات الرياضية بمختلف أنواعها، الإقليمية والآسيوية والدولية مما يتيح لها الفرصة لعرض قدراتها التنظيمية المتميزة وبنيتها التحتية المتقدمة، وجذب الاستثمارات الرياضية فعلى سبيل المثال لا الحصر نجحت دولتنا في تنظيم فعاليات عالمية كبرى مثل كأس العالم للأندية، والعديد من بطولات التنس الدولية، وسباقات الفورمولا 1 مما أسهم في تعزيز مكانة دولة الإمارات كوجهة رياضية عالمية، وسلط الضوء على تطورها في مجالات متعددة لا سيما البنية التحتية في المجال الرياضي، كما يخدم هذا الأمر بدوره تحقيق المستهدف الوطني الطموح بزيادة مساهمة الرياضة في الناتج المحلي الإجمالي من 0.06% في عام 2018 لتصل إلى 0.5% في عام 2031.

ويعد تطوير برامج الابتعاث الرياضي خطوة مهمة أيضًا في النهج الذي يتبعه القطاع الرياضي بدولة الإمارات من أجل تحقيق رؤية الاستراتيجية الوطنية للرياضة 2031 في تأسيس قطاع رياضي مؤثر ومنافس عالمياً وملهم لحياة نشطة للمجتمع، حيث يمكن إرسال الرياضيين الإماراتيين للدراسة والتدريب في أفضل الجامعات والمؤسسات الرياضية العالمية. هذا الاستثمار في العنصر البشري يعزز من القدرات الرياضية للدولة، ويسهم في بناء جيل من الرياضيين المحترفين القادرين على المنافسة والوصول إلى منصات التتويج في مختلف المحافل الرياضية العالمية وهو ما يمهد الطريق لتحقيق أحد أبرز أهداف الاستراتيجية الوطنية وهو زيادة عدد اللاعبين الإماراتيين المتأهلين إلى الألعاب الأولمبية ليكونوا أكثر من 30 لاعباً وذلك بحلول أولمبياد 2032. 

ومن أبرز السبل لتعزيز مفهوم الدبلوماسية الرياضية في دولة الإمارات أيضاً تقديم منح دراسية للرياضيين الدوليين من مختلف أنحاء العالم، مما يسهم في صقل الروابط الثقافية والأكاديمية المشتركة، ويشكل شبكة من السفراء غير الرسميين الذين يروجون لدولة الإمارات في بلدانهم، وهو ما يعزز بناء علاقات وروابط قوية ومستدامة مع مختلف الدول.

وفي السياق ذاته، يشكل تعزيز التعاون مع المنظمات الرياضية الدولية، مثل اللجنة الأولمبية الدولية والاتحادات الرياضية العالمية، خطوة ضرورية لدعم وتنفيذ البرامج والمبادرات التي تهدف إلى تطوير الرياضة الإماراتية والوصول بها إلى العالميةـ فالمشاركة الفعالة من خلال اكتساب العضوية في هذه المنظمات المرموقة يتيح لدولة الإمارات فرصة التأثير في القرارات الرياضية الدولية وترسيخ مكانتها كدولة داعمة للحركة التنموية الرياضية العالمية.

ويركز القطاع الرياضي الوطني جهوده في الاستثمار لتطوير البنية التحتية الرياضية، مثل الملاعب والمرافق الرياضية الحديثة والمزايا والخدمات المتميزة والترويج لها، والتي تسهم في جذب الفعاليات الرياضية الدولية ويعزز من مكانة الإمارات كمركز عالمي للرياضة، حيث تستقطب الدولة أيضاَ العديد من المعسكرات الخارجية للأندية والمنتخبات العالمية إلى جانب الكثير من اللاعبين المصنفين عالمياً في مختلف الرياضات الذين يفضلون الإمارات كوجهة للتدريب والاستشفاء لما تمتلكه الدولة من بنية تحتية رياضية تم تصمميها وتنفيذها وفقاً لأفضل الممارسات والمعايير العالمية.

ومن الآليات الهامة التي نهتم بها في القطاع الرياضي الإماراتي هي تعزيز الرياضات الشعبية التي تعكس ثقافتنا الأصيلة وتقاليدنا والهوية الوطنية والموروث الثقافي لشعبنا العظيم، إلى جانب زيادة المشاركة المجتمعية في الأنشطة الرياضية لبناء مجتمع صحي ونشط ومتماسك، وذلك من أجل تحقيق زيادة في نسبة ممارسة الرياضة في المجتمع تصل إلى 71%من السكان بحلول عام 2031، وهو ما نجحنا بالفعل في قطع شوط كبير به وذلك بفضل توجيهات القيادة الرشيدة والجهود المتضافرة بين الهيئة العامة للرياضة ومختلف الجهات الرياضية الشريكة بالدولة عبر تحقيق زيادة في نسبة ممارسي الرياضة في المجتمع بأكثر من 15% عن 43% في عام 2018 وفقاً للمسح الوطني للرياضة، مما أسهم في تعزيز التفاهم الثقافي والتلاحم الاجتماعي بين مختلف أفراد المجتمع.

 إلى جانب ذلك، فإن دعم المبادرات التي تهدف إلى تعزيز التفاهم والتعاون الدولي من خلال الرياضة، مثل البرامج التي تجمع الشباب من مختلف الدول للتدريب والتنافس معًا، يساهم في إحداث تأثير إيجابي كبير في تعزيز العلاقات الدولية وتحقيق الأهداف المشتركة. فالرياضة ليست مجرد وسيلة للتنافس، بل هي لغة عالمية تعزز من السلام والتفاهم بين الأمم، وتجعل من العالم مكانًا أكثر تعاونًا ووحدة.

تعليقاتكم

لا يوجد تعليقات حالياً.


(success)
Start chat button