خطوات رائدة نحو استثمار مستدام

28/12/2023 الاقتصاد والمال | سعادة د. مريم بطي السويدي

 2189     0

كانت دولة الإمارات من الدول الأولى في المنطقة التي قامت بمبادرات على مستوى القطاعين العام والخاص لتبني أفضل الممارسات البيئية والاجتماعية وحوكمة الشركات من أجل تعزيز مبادئ الاستدامة، متخذة خطوات رائدة لتحقيق أولويات التنمية التي تفي باحتياجات الحاضر مع الحفاظ على قدرة الأجيال القادمة على تلبية احتياجاتهم التنموية الاقتصادية والمجتمعية.

ويوماً بعد يوم تسارعت خطوات مؤسسات الدولة نحو وضع الأطر التنظيمية المناسبة والتي توثق معايير الاستدامة من خلال إطلاق عدة مبادرات محفزة ومشجعة لكافة الشركات في القطاع الخاص لتبني مفاهيم ومبادئ الاستدامة في أعمالها. كانت هيئة الأوراق المالية والسلع تحديداً وبصفتها الجهة الاتحادية المسؤولة عن تنظيم أسواق رأس المال في الدولة، من أبرز الجهات التنظيمية التي لعبت دوراً فاعلاً ومحورياً في دفع أجندة أهداف التنمية المستدامة، من خلال إحداث تغيّر تدريجي ودائم في الثقافة السائدة في أوساط الشركات المساهمة العامة ومؤسسات الخدمات المالية، وذلك من خلال وضع معايير ومتطلبات تهدف إلى تهيئة البيئة المناسبة للاستثمار الأخضر والمستدام والذي يخدم كل من مزودي رؤوس الأموال ومستخدميها على حد سواء.

وتستمر الهيئة في بذل جهود حثيثة نحو توفير كافة المقومات اللازمة لتعزيز الممارسات التي تجعل مفاهيم الاستدامة والاعتبارات البيئية جزء لا يتجزأ من عملية اتخاذ القرارات الاستراتيجية لدى إدارات الشركات التجارية، فضلاً عن تشجيع المستثمرين للاتجاه نحو الاستثمار المستدام عبر تزويدهم بالمعلومات والأدوات اللازمة لاتخاذ القرارات الاستثمارية المدروسة في هذا الشأن. إن مفهوم الاستثمار المستدام يعني توجيه الاستثمارات المالية نحو المؤسسات والمشاريع التي تلتزم بمعايير مرتبطة بالبيئة والمجتمع وتقلل من الآثار السلبية للأنشطة الاقتصادية المختلفة عليها، إضافة إلى تأسيس ودعم المشاريع والشركات الجديدة التي تتبع نهجاً شمولياً يضع حماية البيئة والاستدامة ضمن أولوياته، في ظل سعيها إلى تحقيق أرباح تجارية مجزية. وبذلك فإن الاستثمار المستدام يمثل أسلوب استثماري واسع النطاق يعمل على توفير رؤوس الأموال الاستثمارية المطلوبة للشركات والمشاريع التي يتم تشغيلها وإدارتها بطرق تدعم الاستدامة طويلة المدى، ويدعم مصالح المستثمرين في هذه الشركات من خلال تعظيم قيمة استثماراتهم وتحقيق عوائد مجزية.

ومن الجدير بالذكر أن للمستثمرين دور مهم للغاية في توجيه الشركات التي يستثمرون فيها من خلال ممارسة حقوق التصويت في شأن توجهات هذه الشركات واتخاذ القرارات الاستراتيجية التي تتعلق بموضوعات مهمة مثل حوكمة الشركة والتغير المناخي والتوازن بين الجنسين، والمساهمة في إيجاد حلول تدعم القضايا الاجتماعية أو البيئية. ولأن المستثمر أصبح أكثر وعياً بأن الاستثمار المستدام أو الاستثمار ذا المردود الاجتماعي يُعد أحد أشكال الانضباط الاستثماري الذي يراعي المعايير البيئية والاجتماعية ومعايير حوكمة المؤسسات ويحدث تأثير إيجابي في المجتمع والبيئة والاقتصاد ككل، فإن الكثير من المستثمرين أصبح لديهم رغبة أكبر في توجيه استثماراتهم نحو الشركات التي تطبق مبادئ للاستدامة. واعتماداً على أن الاستثمار المستدام يمكن تطبيقه في جميع فئات الأصول بما في ذلك النقد والأسهم والسندات وحتى الاستثمارات البديلة، فقد شرعت الهيئة منذ وقت مبكر في تنفيذ خطة أسواق رأس المال المستدامة والتي مهدت الطريق بشكل جيد لتحقيق بيئة استثمارية محفزة لكل من مزودي ومستخدمي رأس المال وطرح مبادرات تحفيزية للأسواق، ثم توالت المبادرات الخضراء ومنها إصدار المبادئ الإرشادية حول التمويل المستدام في دولة الإمارات العربية المتحدة بالتعاون مع جهات التنظيم المالي الأخرى بالدولة وإصدار قرار ينظم السندات والصكوك الخضراء المرتبطة بالاستدامة، بما يسهم في أن تكون الدولة المركز العالمي للاقتصاد الجديد خلال العشر سنوات المقبلة.

وحيث إن للجهود والمبادرات التي نفذتها الهيئة نحو استثمار مستدام، باع طويل، تكللت تلك الجهود مؤخراً بقرار إعفاء الشركات الراغبة بإدراج سنداتها أو صكوكها الخضراء أو المرتبطة بالاستدامة في أي من الأسواق المحلية من رسوم التسجيل عن العام 2023 والذي جاء تزامناً مع إعلان صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان رئيس الدولة حفظه الله بإعلان عام 2023 (عام الاستدامة). كل تلك الجهود التي بذلتها الهيئة بالتعاون مع الجهات الشريكة تضمن تحقيق أجندة الاستدامة الوطنية وأهداف التنمية المستدامة بالدولة، وتسرع وتيرة تطوير منظومة متكاملة للتمويل المستدام في المنطقة، كما يعزز هذا التقدم مكانة دولة الإمارات كمركز رائد للتمويل المستدام ويؤكد على أهمية دورها في تفعيل أجندة التمويل من خلال مؤتمر الأطراف COP28 في إطار سعيها للمضي قدماً نحو دعم المبادرة الاستراتيجية للحياد المناخي 2050 على الصعيد المحلي والإقليمي والعالمي.

تعليقاتكم

لا يوجد تعليقات حالياً.


(success)
Start chat button