استلهم القانون الإماراتي في تعريف الزواج ما جاء في القرآن الكريم من قوله تعالى: (وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً ۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ)،سورة الروم: (21)، وتمثل الحضانة أثراً من آثار الزواج، وهي تمارس من طرف الأبوين معاً، غير أن أغلب مشاكلها لا تثار عملياً إلا بعد انفصام العلاقة الزوجية.
وتتجلى أهمية الحضانة في رؤية المحضون،كون جوهرها هو الطفل الذي يمثل الأساس في بناء المجتمعات واستشراف مستقبل الأسرة المستقرة، من خلال رعاية المحضون وتربيته وتعليمه والقيام بما يصلح شؤونه، ومن أهم المواضيع التي استأثر بها القانون الإماراتي المنظم للأحوال الشخصية، موضوع رؤية المحضون واستزارته، انطلاقا من كون الرؤية ليست مجرد حق للطرف الحاضن أو أحد أقارب المحضون، وذلك ما عبرت عنه المادتان (148/1 -154) من قانون الأحوال الشخصية رقم 28 لسنة 2005 وتعديلاته، وما عبرت عنه أيضاً المادة (4) من القرار الوزاري رقم (555) لسنة 2021 في شأن لائحة تنظيم رؤية المحضونين، بل هو حق أصيل للمحضون؛ لينعم بجوٍ أسري يسوده الأمن والاستقرار.
وبمفهوم المخالفة فإذا ما تحققت الرؤية وفقاً لإتفاق الطرفان على تنظيم واجباتهما والتزاماتهما بما يكفل معه حماية حقوق المحضونين؛ فإن ما يتعرض له الطفل المحضون من مشكلات عملية يجعل منه طفل يهدد سلامة المجتمع في ظل غياب الرؤية والرعاية السليمة، وهذا ما نراه في ظل الانحرافات الفكرية، والتي من أهم أسبابها غياب رؤية المحضون وضعف الرقابة، وهي تمثل خطورة كبيرة على مستقبل الدول بإضعاف مجتمعها، كما أن هناك آثار سلبية أخرى على مستويات متعددة، سواء على المستوى الاجتماعي باعتباره يهدد كيان الأسر ومحل انحرافات فكرية، وآثار نفسية في ارتفاع حالات الاضطراب النفسي والقلق والوحدة والاكتئاب، وأما الآثار الأمنية فتسهم في انتشار الجرائم والانحراف وزعزت النظام العام، وبهذا يصبح الطفل شاباً غير قادر على تكوين شخصية سوية تسهم في بناء المجتمع أو بناء أسرة مستقبلية مستقرة.
وفي إطار رؤية الإمارات 2021م، ضمن مؤشر التلاحم المجتمعي والأسري، حرصت قيادة دولة الإمارات العربية المتحدة على خلق جو يسوده المحبة والرحمة والإحترام، وتعزيز دور الأسرة للقيام بمسؤولياتها، وإيجاد منظومة متكاملة لحماية حقوق المحضونين من خلال سنّ التشريعات التي تضمن الحماية الأسرية من كل ما يؤثر عليها بوصفها النواة الأساسية للمجتمع واستقراره واللبنة الأساسية لبناء الوطن، كالقانون الإتحادي رقم ( 28 ) لسنة 2005 بشأن الأحوال الشخصية وتعديلاته، والقانون الإتحادي رقم (3 ) لسنة 2016 بشأن قانون حقوق الطفل (وديمة)، والقرار الوزاري رقم( 518 ) لسنة 2017بشأن اتفاقية حماية حقوق المحضونين والقرار الوزاري رقم (555)لسنة2021في شأن لائحة تنظيم رؤية المحضونين.
وتمثل اتفاقية حماية حقوق المحضونين نموذجاً رائداً في تنظيم واجبات الوالدين والتزامهما بما يكفل معه حماية حقوق الأولاد المحضونين لتفادي الخلافات الناشئة بعد انهاء العلاقة الزوجية، كما تكفل هذه الاتفاقية تحقيق الأثر الإيجابي للصحة النفسية والاستقرار الاجتماعي للأولاد المحضونين.
القاضي الدكتور/ عبدالناصر محمد الشحي
نائب رئيس محكمة أم القيوين الشرعية