تعزيز المستقبل: مواجهة تحديات بناء القدرات وسط الطلب المتزايد على الطاقة
بقلم شيماء المنصوري،
مدير إدارة التعليم والتدريب، الهيئة الاتحادية للرقابة النووية في دولة الإمارات العربية المتحدة
مع استمرار نمو سكان العالم، يتزايد الطلب على الطاقة بمعدل غير مسبوق. وفقا لوكالة الطاقة الدولية، من المتوقع أن يزيد استهلاك الطاقة العالمي بشكل كبير خلال العقود المقبلة. بحلول عام 2050، من المتوقع أن يحتاج كل شخص إلى قدر أكبر بكثير من الطاقة مع توسع التصنيع والتقدم التكنولوجي في جميع المناطق. ولتلبية هذه المطالب مع الحد من انبعاثات الغازات الدفيئة، يقوم المزيد من البلدان ببناء أو تنوي بناء مفاعلات نووية لتلبية هذه الاحتياجات المتزايدة.
توفر الطاقة النووية حالياً ما يقرب من 10% من الكهرباء في العالم. وتعهدت 22 دولة خلال مؤتمر الأطراف الثامن والعشرين المعقود العام الماضي في دبي بمضاعفة استخدام الطاقة النووية. ونتيجة لذلك، من المتوقع أن يتضاعف توليد الطاقة النووية ثلاث مرات بحلول عام 2050. وتصاحب هذه الزيادة في نشر الطاقة النووية تحديات كبيرة، لا سيما الحاجة إلى رأس المال البشري لدعم النمو والتشغيل الآمن للمفاعلات النووية.
ويوجد حوالي 440 مفاعلًا للطاقة النووية تعمل في 32 دولة ونحو 59 مفاعلاً نووياً قيد الإنشاء في جميع أنحاء العالم. وبينما تقوم البلدان ببناء مفاعلات جديدة، فإن هذه البرامج تجلب عقبات مختلفة، بما في ذلك القضايا الرقابية، والمخاوف المتعلقة بالسلامة، ومتطلبات البنية التحتية. ومن بين التحديات الأكثر إلحاحا تطوير قوة عاملة ماهرة قادرة على إدارة وتشغيل التكنولوجيات النووية المتقدمة.
التحديات
بعض التحديات التي تواجه برامج الطاقة النووية على سبيل المثال نقص القوى العاملة الماهرة: مع توسع برامج الطاقة النووية، سيزداد الطلب على مهندسين متخصصين، وعلماء، ومفتشي السلامة، وغيرها في المجال الرقابي ولكن العديد من البلدان تواجه بالفعل نقصاً في مثل هذه المواهب، وخاصة في المناطق حيث لم تكن الخبرة النووية تشكل أولوية. شيخوخة القوى العاملة: تواجه العديد من البلدان التي لديها برامج نووية راسخة مشكلة شيخوخة القوى العاملة. يقترب جزء كبير من المهنيين النوويين ذوي الخبرة من التقاعد، مما يخلق فجوة في المهارات يمكن أن تعيق نمو المشاريع النووية.
وتشمل التحديات الأخرى التدريب والتعليم: يتطلب بناء قوة عاملة نووية مختصة تعليمًا وتدريبًا مكثفًا في مجالات مثل الفيزياء النووية والهندسة والسلامة الإشعاعية. ومع ذلك، تفتقر العديد من المؤسسات التعليمية إلى الموارد أو البرامج اللازمة لإنتاج عدد كافٍ من الخريجين ذوي الخبرة اللازمة. الخبرة الرقابية: الطاقة النووية قطاع منظم للغاية، وضمان سلامة المفاعلات أمر بالغ الأهمية. ويتعين على البلدان أن تستثمر في إنشاء هيئات رقابية قادرة على فرض معايير السلامة ومواكبة الوتيرة السريعة للتطور التكنولوجي. ومع ذلك، فإن العديد من الدول تفتقر إلى القدرة المؤسسية أو الهيئات الرقابية الماهرة للإشراف على هذه البرامج بفعالية.
الحلول الدولية
وللتغلب على هذه التحديات، قامت العديد من المنظمات الدولية، مثل الوكالة الدولية للطاقة الذرية، بوضع توصيات وحلول تهدف إلى تعزيز تنمية رأس المال البشري في مجال الطاقة النووية. التعاون الدولي وتبادل المعرفة: يمكن للبلدان أن تعمل معًا لتبادل أفضل الممارسات والموارد والخبرات. وتعمل مبادرات مثل برنامج التعاون الفني التابع للوكالة الدولية للطاقة الذرية على تسهيل التعاون بين الدول الأعضاء، ومساعدة البلدان على تنمية رأس مالها البشري من خلال التدريب وورش العمل والبحوث المشتركة. تعزيز النظم التعليمية: هناك حاجة إلى الاستثمار في البرامج التعليمية التي تركز على العلوم والهندسة النووية. ويشمل ذلك الشراكة مع الجامعات ومراكز الأبحاث والشركات الخاصة لإنشاء المنح الدراسية والتدريب الداخلي وبرامج التدريب التي تجتذب المهنيين الشباب إلى القطاع النووي.
وتشمل الحلول الأخرى الشراكات بين القطاعين العام والخاص: يمكن للحكومات التعاون مع شركات القطاع الخاص لتمويل وتطوير برامج التدريب المتقدمة. ويمكن لهذه الشراكات أن توفر خبرة عملية للمواهب الناشئة، مما يضمن أن الجيل القادم من المتخصصين في المجال النووي جاهز لمواجهة التحديات المقبلة. التنوع والشمول في المجالات النووية: لضمان وجود قوة عاملة قوية ومرنة، تحتاج البلدان إلى تشجيع التنوع في المهن النووية. ومن خلال دعم المساواة بين الجنسين وتعزيز الفرص للفئات الممثلة تمثيلا ناقصا، يمكن للصناعة النووية الاستفادة من مجموعة أوسع من المواهب، وإثراء القطاع بمنظورات وأفكار جديدة. الاحتفاظ ونقل المعرفة: يجب على الحكومات والوكالات النووية تنفيذ استراتيجيات للاحتفاظ بالمهنيين ذوي الخبرة مع ضمان نقل المعرفة إلى العمال الأصغر سنا. يمكن لبرامج الإرشاد والتعليم المستمر وترتيبات العمل المرنة أن تساعد في الاحتفاظ بالمواهب وسد الفجوات بين الأجيال داخل القوى العاملة.
ومع شروع العديد من البلدان في تسخير مزايا الطاقة النووية لتلبية الطلب المتزايد على الطاقة، فإن نجاح هذه الجهود يتوقف على توافر رأس المال البشري الماهر. إن معالجة تحديات نقص القوى العاملة، والقدرات التنظيمية، والتعليم من خلال التعاون الدولي والاستثمار الاستراتيجي ستكون ضرورية لتلبية احتياجات العالم المستقبلية من الطاقة.