وباء المعلومات المضللة

20/04/2020 عام | سعادة حمد عبيد المنصوري

 4159     0



في ستينيات القرن الماضي، وللمرة الأولى في التاريخ، زاد عدد أصحاب المهارات المعرفية (الياقات البيضاء) على العمال غير المهرة (الياقات الزرقاء). حينئذ قال عالم الاجتماع الأميركي ألفين توفلر: إن البشرية دخلت عصراً جديداً هو عصر المعلومات. 
واليوم، في زمن الكورونا، أحياناً تكاد المعلومات غير الصحيحة تزداد في حضورها على المعلومات الصحيحة، ما دفع بعض الخبراء إلى التحذير من وباء آخر اسمه وباء المعلومات المغلوطة (
Infodemic).  
على مدار نصف القرن الفائت، ظلت المعلومات تتراكم حتى فاضت عن قدرة البشر على التمييز بين الغث والسمين. في عام 2016 اختارت قواميس أكسفورد عبارة «ما بعد الحقيقة» لتكون كلمة العام، وهي تعني انتشار المعلومات الخاطئة أو الموجهة أو المرتجلة وتأثيرها القوي على الرأي العام. 


في عالم «ما بعد الحقيقة» تنهمر المعلومات من كل حدب وصوب؛ من الإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي والصحف والمنشورات المختلفة، والتلفزيون والإذاعات، ناهيك عن الألسن التي لا تتوقف عن نقل وتداول كل شيء. لقد أصبح الطريق إلى الحقيقة الأصلية محفوفاً بالمخاطر و«الأفخاخ» المعلوماتية تحت كل نقرة وفي ثنايا كل خبر منقول. 
في كتاب بعنوان «عصر المعلومات المضللة: كيف تنتشر الاعتقادات الخاطئة» يشير المؤلفان كالين أوكونر وجيمس ويثرول إلى أن كل معلومة متداولة اليوم هي معلومة مشكوك فيها مبدئياً، ويجب أن تخضع للتدقيق، ولا يُستثنى من ذلك المعلومات البسيطة التي يُفترض أن تكون بديهية، كتلك التي تتعلق بالمناخ أو حتى عدد المشاركين في فعالية ما. 
لقد كان للتكنولوجيا فضل كبير في إتاحة المعلومات للجميع، لكن التوظيف غير البريء لإمكانيات التقنية أسهم في نشر التضليل عبر إنتاج إما صورة مزورة، أو فيلم مفبرك، أو تصريحات حرفت عمداً من سياقها. 


في عصر المعلومات باتت الحقيقة مثل إبرة في كومة قش. ولنأخذ كورونا كمثال، الكل يتحدث عن المخاطر والأعراض والنتائج والآفاق والاحتمالات، مستنداً إلى مصادره، من دون إدراك الحاجة للتدقيق، حتى لو كانت معلوماته خطرة ومثيرة للتهويل أو للتهوين. 
الأمثلة عديدة، لكن الثابت أنه في كل حالة من هذه الحالات، تجد أن الخبراء الحقيقيين يعبّرون بكثير من التواضع عن حاجتهم إلى مزيد من الوقت لفهم ما يجري، بينما يسارع المتحمسون من العامة إلى نشر صيحات التشاؤم والتطيّر والحتميات المطلقة. 
إنه بالفعل عصر «ما بعد المعلومات»، أو لنقل عصر وباء المعلومات المضللة، الفائز فيه هو من يمتلك القدرة على «فلترة» المعلومات، انطلاقاً من مبدأ الشك والتثبّت. وللموضوع بقية.

 

سعادة حمد عبيد المنصوري

مدير عام هيئة تنظيم الاتصالات

 

Your Comment

No Comments


Need Help

Need Help Description

(success)

Popular Searches

Start chat button