كبار السن.. حراس الذاكرة الثقافية وركيزة الهوية الوطنية
30/09/2025 الشؤون الاجتماعية | عبدالله سعيد آل علي، مدير المركز الثقافي في أم القيوين
67 0
في الأول من أكتوبر من كل عام، يحتفي العالم بـ "اليوم الدولي للمسنين" تأكيدًا لمكانة هذه الفئة العزيزة على قلوبنا، وتقديرًا لما قدموه من عطاء في مسيرة التنمية الإنسانية. وفي هذا اليوم، نقف جميعًا وقفة وفاء واعتزاز، لنعبّر عن امتناننا لجيلٍ حمل على عاتقه مسؤولية البناء والتأسيس، وكان ولا يزال ركنًا أصيلًا في الحفاظ على قيمنا وتراثنا الثقافي.
إن المسنين في دولة الإمارات ليسوا مجرد شهود على الماضي، بل هم حُماة الذاكرة، الذين اختزنوا في ذاكرتهم الحية تفاصيل الحياة الاجتماعية قبل قيام الاتحاد وبعده. فمن خلال قصصهم وتجاربهم ومروياتهم، تتجسد ملامح الأصالة التي شكّلت الشخصية الإماراتية، وتترسخ القيم التي نعتز بها جيلًا بعد جيل.
لقد ارتبط التراث الثقافي في وطننا ارتباطًا وثيقًا بالذاكرة الشفاهية للمسنين. فهم الذين نقلوا إلينا الأهازيج البحرية التي كانت ترافق رحلات الغوص، والأمثال الشعبية التي تجسد الحكمة في أبسط صورها، والحكايات التي كانت تؤنس الليالي الطويلة في البر والبحر، فضلًا عن الحرف التقليدية. إن هذه الموروثات لم تكن لتصل إلينا لولا وجود هذه الذاكرة الحية التي صانت التراث من النسيان، وأبقت جذوره ممتدة في حاضرنا.
ولا يمكن الحديث عن دور المسنين في إثراء التراث الثقافي دون التوقف عند دورهم التربوي والاجتماعي المتمثل في غرس قيم الاحترام والتعاون والتكافل في نفوس الأبناء والأحفاد، وهي القيم التي قام عليها المجتمع الإماراتي منذ القدم، وشكلت أساس وحدته وصلابته.
وفي السياق ذاته، يشكّل المسنون جسرًا بين الماضي والحاضر، وفهم الرابط الذي يحفظ توازن الهوية في زمن التحولات السريعة. وبينما ننفتح اليوم على العالم بثقافاته المتنوعة، يبقى دورهم محوريًا في ترسيخ الثوابت الوطنية، وتذكير الأجيال الجديدة بأن التقدم لا يتحقق إلا بوعي الجذور واحترامها. وهنا يبرز البُعد الإنساني في العلاقة بين الأجيال، حيث يتكامل الشباب مع خبرة الكبار، في دورة حياة متجددة تعطي للمجتمع استمراريته وتوازنه.
وتدرك وزارة الثقافة أهمية دور المسنين في الحفاظ على التراث الثقافي، ولذلك تسعى من خلال مبادراتها إلى تمكينهم وإشراكهم في نقل الإرث الإماراتي إلى الأجيال الجديدة. فعلى سبيل المثال، يبرز مشروع "النالية" كمبادرة رائدة تهدف إلى إدراج الثقافة في المناهج الدراسية لطلبة المدارس من خلال تجارب حية وتفاعلية يقدمها كبار السن والمختصين. كما شاركت الوزارة بـجناح الحرفيين ضمن مبادرة "اصنع في الإمارات"، حيث تم تسليط الضوء على إبداعات المسنين في الحرف التقليدية.
هذه المبادرات لا تكتفي بتكريم المسنين، بل تعزز دورهم كحراس للذاكرة الثقافية، وتؤكد على أهميتهم كجسر يربط بين الأصالة والمعاصرة، مما يعزز الهوية الوطنية ويثري المشهد الثقافي في دولة الإمارات.
إن تقديرنا للمسنين لا يقتصر على الاحتفاء بهم في يومهم العالمي، بل هو التزام يومي يترجم في السياسات الوطنية التي وضعتها قيادتنا الرشيدة لرعايتهم، وتوفير الحياة الكريمة لهم، والاعتراف بدورهم في مسيرة البناء.
إن المسنين هم القدوة التي نسير على نهجها، والنبراس الذي يضيء دروبنا، والحلقة الأهم في سلسلة الهوية الوطنية. إنهم رمز الوفاء والأصالة، وبهم تستمر مسيرة العطاء التي تضع الإنسان في كل مراحله العمرية في قلب التنمية والنهضة.