منذ تأسيس دولة الإمارات العربية المتحدة، شكّلت البنية التحتية دعامةً أولى في مشروع البناء الوطني، غير أن الرؤية الإماراتية لم تكتفِ بالتشييد، بل جعلت من كل بنية أساسًا للتمكين، ومن كل خدمة تقليدية بوابةً إلى المستقبل. ومن بين هذه المؤسسات، ينهض البريد اليوم بدورٍ يتجاوز النقل والتوصيل، ليصبح أحد ركائز الاقتصاد الرقمي، وأداة فاعلة في تحقيق التنمية الشاملة.
لقد ارتبط البريد في بداياته بنقل الرسائل، لكنه بات في يومنا هذا جزءًا لا يتجزأ من المنظومات التجارية، وسلاسل الإمداد، وخدمات الحكومة الذكية، وهو ما ترسّخه توجيهات القيادة الرشيدة في دولة الإمارات، حينما أكّد صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، رعاه الله، أن الابتكار في تقديم الخدمات ليس خيارًا، بل هو ركيزة لاستدامة التقدم.
وفي هذا الإطار، لا يمكن الحديث عن منظومة بريدية عالمية دون التوقف عند الاتحاد البريدي العالمي، الذي يُعد الجهة الأممية المنظّمة للقطاع على مستوى 192 دولة. وتفخر دولة الإمارات بعضويتها الفاعلة في الاتحاد منذ عام 1973، ومشاركتها في مجلس العمليات البريدية، حيث تمثل الدولة صوتًا مؤثرًا في صياغة مستقبل الخدمات البريدية عالمياً.
أما محليًا، فقد أصبح البريد الإماراتي رافدًا رئيسيًا في تمكين الخدمات الحكومية، عبر حلول رقمية متقدمة، من أبرزها خدمة صندوق البريد الرقمي "وين"، والتي تُجسّد التحول من نموذج العنوان الفيزيائي إلى منظومة تكاملية تُسهّل الوصول إلى الأفراد والمؤسسات، وترتبط بأنظمة الهوية الوطنية والدفع والخدمات العامة.
إن ما نشهده اليوم ليس مجرّد تحديث لخدمة تقليدية، بل إعادة تعريف جذرية لوظيفة البريد؛ فالشبكات البريدية التي كانت تربط المدن، أصبحت اليوم تربط الاقتصادات، والمنصات التي كانت تنقل الرسائل، أصبحت تنقل القيمة، وتتيح فرصاً للمشاريع الصغيرة، وتفتح آفاقًا غير مسبوقة للشمول المالي واللوجستي.
ومن موقعها في الاتحاد البريدي العالمي، تواصل دولة الإمارات الإسهام في تطوير الأطر الناظمة، ودفع المبادرات الداعمة للتحول الرقمي، وتعزيز كفاءة التجارة الإلكترونية، بما يتلاءم مع استراتيجيتها الوطنية للتحوّل الاقتصادي القائم على الابتكار والمعرفة.
لقد تجاوز البريد الإماراتي دوره التقليدي، وأصبح أداةً وطنية فاعلة في دعم التحوّل الرقمي، وتمكين الاقتصاد، وتيسير حياة الأفراد والمجتمعات. ومن خلال منظومة متكاملة ترتبط بالبنية التحتية، والخدمات الحكومية، والشبكات الدولية، يواصل البريد أداء رسالته في خدمة الدولة، وتعزيز مكانتها ضمن الدول الرائدة في الابتكار والكفاءة واستشراف المستقبل.