المسؤولية المجتمعية تعد مفهومًا حيويًا في العصر الحديث، وتتعلق بتحمل الفرد أو المؤسسة للتبعات الاجتماعية والبيئية لأفعالها وقراراتها. وتُعتبر أهمية المسؤولية المجتمعية متعددة الأوجه

الكثير من الدلائل القرآنية و الأحاديث الشريفة تبين أن الإسلام أعطى أولوية للعمل الخيري و المسؤولية الاجتماعية ابتغاء مرضاة الله

يقول الله تعالى في كتابه العزيز "و تعاونوا على البر والتقوى"، كما يقول "فمن تطوع خيرا فهو خير له"، كما يقول  "وآتى المال على حبه ذوي القربى واليتامى و المساكين وابن السبيل"، وكذلك قوله "وفي أموالهم حق للسائل والمحروم" وقوله "من يعمل مثقال ذرة خيرا يره، ".

في عهد عمر بن الخطاب، رضي الله عنه، تجلى مفهوم المسؤولية المجتمعية في العديد من الجوانب، حيث كان عمر من الخلفاء الراشدين الذين أسسوا لنموذج مثالي للحكم العادل والتعاطف مع المجتمع.

    العدالة الاجتماعية⚖:

كان عمر يضع العدالة والمساواة في صدارة أولوياته. قام بإصدار العديد من القوانين والتشريعات التي تحقق المساواة بين الناس بغض النظر عن أصولهم أو مكانتهم الاجتماعية.

في ليلةٍ من الليالي وأمير المؤمنين عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- يتفقد الرعيّة فسمع طفلًا يبكي فقال لأمه أرضعيه فلم يسكت الطفل، فكرر عليها ذلك، فقالت فطمته حتى ننال الصدقة من بيت مال المسلمين، فذهب وأحضر كيسًا كبيرًا من الدقيق وحملهُ على ظهره، وفي اليوم التالي سنَّ قانونًا يُنفق فيه على الفطيم والرضيع من بيت مال المسلمين(2)

الاهتمام بالفقراء والمحتاجين:

عمل على توفير الرعاية والدعم للفقراء والمحتاجين من خلال تأسيس ديوان خاص بتوزيع الزكاة والصدقات، وكان يتابع شخصياً توزيعها لضمان وصولها لمستحقيها. ظهرت خدمات عمر بشكلٍ واضح عام الرمادة، إذ أعسر المسلمون في الحجاز وفي نجد، وجاعوا، فكان يأخذ الطعام من الأمصار ويوزعه، وكان يرسل الطعام والأموال إلى بيوت المعوزين والمرضى، ويعتني بمرضاهم، ويجهز موتاهم على حساب بيت المال، ولم يكن ليقدم هذه الخدمات اعتباطاً، بل كان يحصر أسماء الفقراء ومن يحتاجون إلى عناية ورعاية، ومن تصلهم الإعانة فعلاً، ويقدم للمحتاجين ما يطلبونه.

  التوجيه والتثقيف📜:

كان يعمل على توجيه المسلمين وتثقيفهم حول مبادئ الإسلام وأهميتها في بناء مجتمع يسوده العدل والتعاون.

كان الذي يشغل بال عمر هو تعليم المسلمين هذا الكتاب ـ  وخاصة الذين أسلموا بعد أن فتحت بلدانهم ـ ولذلك أرسل المعلمين من كبار الصحابة إلى المناطق المفتوحة ليعلّموهم دينهم، أرسل عبدَ الله بن مسعود إلى الكوفة، وعمرانَ بن حصين ومعقلَ بن يسار إلى البصرة، وعبادةَ بن الصامت وأبا الدرداء ومعاذَ بن جبل إلى الشام؛ فالفتوحات لا تترسخ

حتى ينتشر العلم في كل مكان، أرسل عمر رجلاً يجول بين القبائل في البادية معلمًا للقرآن، أي أن عمر نشر التعليم الإلزامي.

     التشجيع على العلم والتعليم📖:

 كان يولي اهتمامًا كبيرًا بالتعليم وتشجيع الناس على اكتساب المعرفة والمهارات. قام بفتح مدارس ومكتبات في مختلف أنحاء الدولة الإسلامية.

    العناية بالبيئة والبنية التحتية:

حرص عمر على تحسين البنية التحتية للمدن والقرى وتوفير الخدمات العامة .

أما إصلاح الطرق وتمهيدها، وهو شيء أساسي في (البنية التحتية) فقد اهتم به عمر اهتمامًا بالغًا، وهو الذي يقول: «لو أن شاة عثرت في شط الفرات، لخشيت أن أسأل عنها». وهذا شيء لم يُسمَع به في أي حضارة من الحضارات السابقة؛ لأن تمهيد الطرق هو الذي يؤدي إلى الاتصال السهل بين المدن والقرى والبادية ويساعد على انتعاش الزراعة والصناعة،

أولى عمر اهتمامًا كبيرًا بتطوير الزراعة واستصلاح الأراضي، وأصدر بهذا الشأن حكمًا عامًّا بأن من يصلح الأراضي البور أينما وجدت في جميع أنحاء الدولة، فإن ملكيتها تؤول له وإذا لم يصلحها في غضون ثلاث سنوات تُسترد منه.(3)

    الحكم بالرحمة والتسامح:

عمر كان يحكم بالرحمة والتسامح، وكان يعالج القضايا بعدالة وتفهم، مما جعله يحظى بشعبية واحترام كبيرين من قبل المواطنين.

اهتم عمر رضى الله عنه حرية الإنسان وصيانة كرامته ، ويقول مخاطبًا وفود المسلمين إلى المدينة: «أيها الناس، إني والله ما أرسل عمالاً (أمراء) ليضربوا أبشاركم، ولا ليأخذوا أموالكم، ولكن أرسلهم ليعلموكم دينكم وسنة نبيكم، فمن فعل به شيء سوى ذلك فليرفعه إليَّ، فوالذي نفس عمر بيده لأقصنه منه. قال عمرو بن العاص: لو أن رجلاً أدب بعض رعيته، أتقصنه منه..؟ قال: أي والذي نفسي بيده، إذن لأقصنه منه، وكيف لا أقصنه منه وقد رأيت رسول الله يقص من نفسه..؟!».(4)

باختصار، يمكن القول إن عمر بن الخطاب قام بتطبيق مفهوم المسؤولية المجتمعية في عهده بشكل شامل من خلال اهتمامه بالعدالة الاجتماعية، ورعاية الفقراء والمحتاجين، وتشجيع التعليم والتثقيف، والاهتمام بالبيئة والبنية.

 المصادر

(1)https://mawdoo3.com/%D9%82%D8%B5%D8%B5_%D8%B9%D9%86_%D8%AA%D8%AD%D9%85%D9%84_%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%B3%D8%A4%D9%88%D9%84%D9%8A%D8%A9_%D9%81%D9%8A_%D8%A7%D9%84%D8%A5%D8%B3%D9%84%D8%A7%D9%85

https://www.elbalad.news/4264349(2)

(3)https://nasehoon.org/%D8%A5%D9%86%D8%AC%D8%A7%D8%B2%D8%A7%D8%AA-%D8%B9%D9%85%D8%B1-%D8%A8%D9%86-%D8%A7%D9%84%D8%AE%D8%B7%D8%A7%D8%A8-%D8%A7%D9%84%D8%AD%D8%B6%D8%A7%D8%B1%D9%8A%D8%A9-%D9%85%D9%86-%D8%A8%D9%86%D8%A7/

(4) https://nasehoon.org/%D8%A5%D9%86%D8%AC%D8%A7%D8%B2%D8%A7%D8%AA-%D8%B9%D9%85%D8%B1-%D8%A8%D9%86-%D8%A7%D9%84%D8%AE%D8%B7%D8%A7%D8%A8-%D8%A7%D9%84%D8%AD%D8%B6%D8%A7%D8%B1%D9%8A%D8%A9-%D9%8

بقلم :

مريم علي شفيان المنصوري