تداعيات التغير المناخي.. هل لانزال نملك رفاهية الوقت؟

10/10/2019 البيئة والطاقة | معالي الدكتور ثاني بن أحمد الزيودي

 4113     0

الإمارات نموذج فعال في العمل من أجل المناخ ورفع سقف الجهود والمساهمات

تداعيات التغير المناخي.. هل لانزال نملك رفاهية الوقت؟

 

 بقلم معالي الدكتور ثاني بن أحمد الزيودي

وزير التغير المناخي والبيئة

 

 

شهد العالم تطوراً كبيراً في العمل من أجل المناخ منذ الاجماع غير المسبوق الذي شهده اتفاق باريس قبل أربعة أعوام، والتوقيع على بنوده وإقرار الموقعين بمساهماتهم الوطنية المحددة في مجالي تخفيف مسببات التغير المناخي والتكيف مع تداعياته، ثم تطورت محادثات المناخ خلال مؤتمر الدول الأطراف الثالث والعشرين COP23 في بون الألمانية لتخرج بالتأكيد على ضرورة الالتزام بتطبيق ما تم الاتفاق عليه في باريس، وكذلك الأمر بالنسبة لمؤتمر الدول الأطراف الرابع والعشرين الذي عقد في كاتوفيتشي البولندية في العام الماضي.

على الرغم من هذا الحراك العالمي المتزايد، والجهود الدولية التي تحاول عبرها أطراف ودول عدة بذل ما يمكنها لدعم وتعزيز العمل من أجل المناخ، إلا أن تسارع وتيرة الكوارث المناخية، والصدمة التي لم يفق العالم منها جراء الأعاصير والحرائق التي شهدتها مناطق عدة خلال الأشهر القليلة الماضية، تطرح تساؤلاً ملحاً حول مدى ملاءمة الجهود والالتزامات الحالية للوفاء بالالتزامات التي تضمنها اتفاق باريس، وهل لا يزال العالم يملك رفاهية الوقت في التعامل مع تحدي التغير المناخي.

إن ارتفاع معدل وقوع الظواهر المناخية المتطرفة سنويا بنسبة تفوق 400% خلال العقود الخمسة الأخيرة، يؤكد على أن الوقت لم يعد في صالحنا، وأن حجم وطبيعة الجهود المبذولة حاليا لم يعد كافياً، لذا يجب تكثيف الجهود الدولية، واتخاذ إجراءات جادة للاستفادة من الفرص المتاحة، ورفع سقف التعهدات والالتزامات بشأن المناخ لنتمكن من حماية البشرية من التحدي الأهم الذي يواجهها حالياً.

وهنا في دولة الإمارات وعبر التجربة والجهود المحلية والعالمية المبذولة في هذا المجال، تطرح الدولة نموذجاً فعالاً في العمل من أجل المناخ قائم على تحويل تحديات التغير المناخي إلى فرص نمو يمكن الاستفادة منها اقتصادياً، وهو ما يشكل حافزاً قوياً لترقية وزيادة التعهدات والالتزامات الوطنية للدول.

يشمل هذا النموذج توجهات عدة، فبالإضافة إلى جهودها في حماية البيئة والعمل على ضمان استدامة مواردها الطبيعية، بدأت دولة الإمارات منذ العام 2006 في العمل على دعم وتعزيز استخدام ونشر حلول الطاقة المتجددة على المستويين المحلي والعالمي، بهدف خلق مزيج متنوع من مصادر الطاقة يعزز خفض معدل انبعاثات غازات الدفيئة والتي تعد السبب الرئيسي لارتفاع درجات حرارة الأرض والتغير المناخي بشكل عام، وخلق فرص استثمارية وتنموية في قطاعات جديدة.

على المستوى المحلي اعتمدت الدولة بفضل توجيهات ورؤى قيادتها الرشيدة استراتيجية الإمارات للطاقة 2050 والتي تستهدف رفع حصة الطاقة النظيفة من مزيج الطاقة المحلي إلى 50% بحلول 2050، وعلى الأرض انتهت من مشروع محطة نور أبوظبي للطاقة الشمسية والتي دخلت الخدمة بقدرة إنتاجية 1.1 جيجا وات، ونستعد حالياً للعمل بتنفيذ مشروع عملاق آخر بمنطقة الظفرة في أبوظبي للطاقة الشمسية بقدرة 2 جيجا وات، كما يستمر العمل في مجمع محمد بن راشد آل مكتوم للطاقة الشمسية "الأكبر من نوعه في العالم" وستصل قدرته عند الانتهاء منه إلى 5 جيجا وات.

وساهم هذا الحراك المتسارع في مجال تحول الطاقة في تسجيل مشاريع الدولة لمستويات عالمية غير مسبوقة في خفض كلفة إنتاج الكهرباء عبر الطاقة الشمسية وصلت إلى 2.42 سنت لكل كيلوواط/ساعة بالنسبة لتقنية الألواح الكهروضوئية في عام 2016 وإلى 7.3 سنت لكل كيلوواط/ساعة بالنسبة لتقنية الطاقة الشمسية المركزة في عام 2017.

وعلى المستوى الدولي وعبر جهود شركة "مصدر"، وصندوق أبوظبي للتنمية طورت دولة الإمارات استثمارات تتجاوز قيمتها 12 مليار دولار فيما يزيد عن 49 مشروعًا للطاقة المتجددة، تدير عبرها قدرة إنتاجية تتجاوز 4 جيجا وات من الطاقة في عدد كبير من الدول حول العالم وبالأخص الدول المتضررة من تداعيات التغير المناخي مثل مجموعة دول الكاريبي.

كما عملت الدولة ضمن نموذجها الفعال على توظيف التقنيات الحديثة بهدف خفض مسببات التغير المناخي والإضرار بالبيئة، ومساعدة كافة القطاعات على التكيف مع هذا التغير، وخلق فرص عمل واستثمار ونمو جديدة ومبتكرة.

وضمانا لتحقيق النموذج فاعليته وأهدافه المطلوبة حرصت دولة الإمارات على إشراك مكونات المجتمع كافة، القطاع الحكومي والخاص والأفراد، في تنفيذه، لتأكيد مساهمتها في استغلال فرص النمو الاقتصادي والاجتماعي المتاحة والاستفادة منها، وركّزت بشكل خاص على فئة الشباب لما يتمتعوا به من تأثير قوي على باقي فئات المجتمع، وقدرتهم على الابتكار والتعامل بكفاءة عالية مع التكنولوجيا الحديثة وتوظيفها في خدمة توجهات ومستهدفات الدولة وقيادتها الرشيدة.

واستناداً لهذا النموذج الفعال في العمل من أجل البيئة والمناخ، وفرت دولة الإمارات عبر تنظيمها "اجتماع أبوظبي للمناخ" منصة عالمية دعت إليها دول العالم كافة للاجتماع بهدف مناقشة مدى التزام كلٍ منها ببنود اتفاق باريس والتعهدات والمساهمات الوطنية الخاصة بها للعمل من أجل المناخ، والعمل على ترقيتها لمواكبة سرعة تفاقم حدة التغير المناخي وتزايد تداعياته.

وانطلاقاً من هذا الاجتماع العالمي البارز، ستبادر دولة الإمارات خلال مشاركتها في قمة الأمم المتحدة "العمل المناخي 2019" التي ستنعقد في نيويورك 23 سبتمبر الجاري، إلى التأكيد على دورها ونموذجها الفعال في العمل من أجل المناخ عبر مجموعة من الإعلانات الجديدة تختص بجهودها والتزاماتها المحلية والعالمية، والمشاركة والانضمام في تحالفات ومبادرات دولية تستهدف جميعها خفض حدة تداعيات التغير المناخي وتعزيز القدرة على التكيف معها لضمان مستقبل أفضل للبشرية.

إن دولة الإمارات إذ تعتز بكونها جزءاً من العمل المناخي العالمي ونموذجاً له، فإنها تجدد التأكيد على أن بلوغ الأهداف الطموحة التي نسعى لتحقيقها تستدعي عملاً دؤوباً على المستوى الوطني، وتنسيقاً أفضل على المستوى العالمي. لذا سنطلق عبر القمة رسالة للعالم أجمع لتوحيد وتكثيف الجهود ورفع سقف الطموحات والتعهدات والمساهمات، آملين أن تمثل هذه القمة خطوة فعالة تُعزّز فرصنا بالفوز في سباقنا مع المناخ، فلم يعد أمامنا اليوم من خيار سوى الفوز في هذا السباق.

 

تعليقاتكم

لا يوجد تعليقات حالياً.


(success)
Start chat button